مقابلة (1) مع الشيخ محمّد رضا النعماني
- صاحب المذكّرات: محمّد رضا النعماني، الشيخ
مقابلة مع الشيخ محمّد رضا النعماني
نشرت على موقع الجوار
11/4/2010م
كان مطلع السبعينات ايذانا بأن تتوجه مجاميع كبيرة من الشباب العراقي الى مدينة النجف الاشرف للدراسة واعلان الولاء لشخص بدأ نجمه يلمع املا في قيادة تعيد الى العراقيين كرامتهم التي هدرها البعث بمحاربته وتضييقه على كل شعيرة اسلامية يراد بها وجه الله. وكان من بين الوفود ذلك الوفد الذي توجه من مدينة النعمانية 45 كم شمال محافظة واسط والذي كتب الله لاحد اعضائه ملازمة السيد الشهيد الصدر ملازمة الابن لوالده وليكون بعد ذلك مفتاحا لذكريات لها صداها واثرها. وبمناسبة الذكرى السنوية الحادية والثلاثين على استشهاد السيد الشهيد محمد باقر الصدر شبكة اخبار واسط حاورت الشيخ محمد رضا النعماني لسؤاله عن ابرز محطات ذكرياته عن هذا السيد الشهيد.
* اول لقاء جمعك بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) ؟
- في السبعينات في مرجعية السيد محسن الحكيم (قدس سره) وكان وهج هذه المرجعية قد شع على العالم الاسلامي سنة وشيعة والى جانب هذه المرجعية شع وهج اخر لمرجعية لم تعرف في الشارع الاسلامي بعد بل بين الاوساط العلمية والفكرية ولم يكن له انصار وجهاز دعائي حينها.
وكان وهجه العلمي "اقتصادنا" و"فلسفتنا" تطغى على كل محفل علمي وكان ميزته العلمية الجبارة اهلته لان يسير خارج نطاق آليات الحوزة المألوفة كان وهجه يصل يوم بعد اخر الى العالم الاسلامي وكان اسمه يتردد بين الدعاة اكثر من اي مكان اخر.
وكنا قد قررنا الذهاب الى الحوزة العلمية فكان المأوى الوحيد المناسب لنا هو المرجع السيد محمد باقر الصدر والسبب اننا كنا نتطلع الى قائد يقود مسيرة الامة الاسلامية ليس بالطريقة الاعتيادية اي ليس ضمن نطاق الحوزة العلمية فقط وانما ضمن محور الوعي ونشر المفاهيم الاسلامية الاصيلة والشهيد الصدر كشف القناع عن الاسلام الحقيقي بمؤلفاته التي تشير الى ان الاسلام فيه اقتصاد وفيه فلسفة واعماق اجتماعية واعماق ثقافية كان هو المبادر الى طرحها للساحة وايصالها الى العالم الاسلامي وغيره وان جميع خطواته كانت تصب في خدمة الاسلام.
ولاشك ان جميع خطواته كانت في هذا الاتجاه فلو تطرقنا الى مناقشاته لموضوع ارض فدك والذي جاء في مؤلفه "فدك في التاريخ" الذي طبعه وهو ابن ستة عشر عاما نجد ان طريقة استدلاله تختلف عن الاخرين لكنها في المصب النهائي تتفق مثلا على سبيل المثال ان السيد الشهيد عندما جاء الى فكرة (نحن معاشر الانبياء لا نورث ) كان هذا محور اخذ ارض فدك من الزهراء عليها السلام نجد ان الشهيد الصدر عندما ناقش هذه الفكرة اولا لم يناقشها بروح استفزازية وثانيا ناقشها بروح علمية وكان اهتمام السيد الشهيد الصدر بالاسلام وبحاكمية الله قد جعلته لايهتم بنفسه ولو قيمنا مواقفه لوجدناها تنبع من كونه يقوم على قاعدة ان الاسلام هو من يقود الحياة وانا اعتقد انه على الصعيد الشخصي ضرب اروع الامثلة على ذوبان الذات.
* ما الذي كان يريده الشهيد الصدر من خلال كتبه التي وضعها؟
- كتبه التي وضعها ومن بينها "فلسفتنا" و"اقتصادنا" و "الاسلام يقود الحياة" اراد منها هدم الاسس المادية التي تتنكر لما وراء المادة والطبيعة وتنكر الله هو تصدى لهذه الفلسفات بما لم يتصدى احد من المسلمين بنفس الطريقة والاسلوب فتجد في اقتصادنا وفلسفتنا هذه الروح وحسب علمي ان كثير من الاساتذة في المغرب العربي ومصر وغيرها يعتمدون عليها في اعداد محاضراتهم ورغم ان تاريخ كتابتها قديم يعود الى السبعينات الا انها لا زالت غضة نظرة والسبب ان الشهيد الصدر تناول جذور الافكار.
* هل كانت معارضة السيد الشهيد الصدر للنظام السابق مبنية على اساس طائفي ؟
- ابدا فالسيد الشهيد كانت عقليته لاتسمح له بأن تكون الطائفية عنصرا من عناصر العمل التي يعتمدها وكان حينما كتب كتاب "فدك في التاريخ" قد تعامل مع الخلفاء بادب فتراه عند ذكر اي خليفة يكتب (رضي الله عنه) اضف الى ذلك ان نقاشه كان علميا صحيحا واننا لو جربنا اعطاء الكتاب لاي شخص لن تجد هناك رد فعل سلبي لما جاء فيه من افكار لان ما موجود فيه معقول من الناحية العلمية.
وثالثا لو استمعنا الى بيانات السيد الشهيد الصوتية التي خاطب فيها الشعب العراقي تجده قد خاطب الاخوة ابناء المذهب السني بنفس الاسلوب الذي خاطب به ابناء المذهب الشيعي ولو اراد لما خاطبهم لان نظام البعث المقبور كانت سياسته الطائفية متركزة على الشيعة والسنة من ذلك براء لان مفكريهم وعلمائهم تعرضوا على يد النظام للظلم بنفس المستوى الذي تعرض له مفكري وعلماء الشيعة.
اضافة الى ذلك ان الشهيد الصدر لم يظهر منه اي موقف او ردة فعل تجاه اخواننا السنة وكان له مناصرين من ضباط الجيش ومثقفين واساتذة جامعات من ابناء السنة وكانوا يترددون اليه كل يوم خميس في مدينة النجف المقدسة ويبادرون الى سؤاله اسئلة علمية وكان هو بنفس العقلية والمنطق الحضاري يتعامل معهم ولم اشعر في يوم من الايام ان الشهيد الصدر كان في اعماقه او سلوكه طائفيا .
* هل هناك موقف بقي عالقا في ذهنك ايام ملازمتك للسيد الشهيد؟
- هناك العديد من الامور التي اثرت في نفسي كثيرا وبقيت عالقة في ذهني وكنت ايامها صغير السن وكان يعاملني معاملة الاب لولده واذكر انني طلبت منه يوما ما ان يقدم لي نصيحة في كل اسبوع من اجل اختبار قابليتي على الالتزام بها وتطبيقها وتحويلها الى حالة سلوكية واذكر انه في يوم من الايام قال ناصحا لي بأن "لاتوجه الاهانة الى اي شخص ولا تحقد على اي احد" وحينها سألته عن سبب هذه النصيحة فقال لي من الممكن ان يكون هذا الشخص الذي تهينه او تحقره ولي من اولياء الله ولعله يكون هو صاحب الزمان(ع) واذكر ان احد الاشخاص جاء الى السيد الشهيد وقال له ان فلان من الناس يتكلم عليك بكلام يحاول من خلاله زعزعة صورتك بين الناس فكان جواب السيد الشهيد على ذلك بقوله انا مستعد لان اصلي خلف هذا الشخص لاني اجد فيه حرصا على الاسلام والمسلمين لاعتقاده بأني اشكل خطرا على الاسلام وهو يحاول بكلامه الدفاع عن الدين الاسلامي وهذا الموقف كان له عميق الاثر في نفسي ومن الملفت انني رأيت حينها على محيا السيد الشهيد ابتسامة حقيقية تؤكد عدم تأثره بما يقال وهو امر قلما تجده من قبل شخص يتم ذكره بسوء وهو بذلك ضرب مثلا يعكس مستوى ادراك المسؤولية الاسلامية.
* سمعنا عن وصول وفود اجنبية للقاء بالسيد الشهيد كيف تمت هذه اللقاءات ؟
- كثير من الوفود زارته وأود ان اذكر ان علماءنا بصورة عامة من ناحية الوضع الشخصي متواضعين وهذا امر مشهود لهم ومراجعنا بشكل عام اذا اتينا الى بيوتهم ومأكلهم وملبسهم هم لايزيدون عن فقراء ابناء المجتمع والصورة التي كانت عن الشهيد الصدر ذلك العملاق المفكر بانه شخص له دار فخمة ومؤسسة فيها موظفين وسكرتارية وهو نظام متبع في الخارج هم كانوا يتصورون ان لديه مؤسسة وقد فوجئوا ببساطة الحياة التي يحياها السيد الشهيد على عظمة قدره وعلميته.
* كيف تنظر الى مسالة تكريم الامم لعلمائها ومن بينهم الشهيد الصدر؟
- التكريم المادي ضروري والتكريم المعنوي ايضا ضروري لانه من سنن الله في الحياة والله كرم المؤمنين في القرآن الكريم والتكريم للعلماء يجب ان يكون بمقدار عطائهم وكلما كان موقف المجتمع من العلماء ايجابي فهو التكريم الحقيقي ونحن اذا اردنا ان نكرم الشهيد الصدر تكريما ماديا فأن ذلك لا قيمة له ابدا ولكن تبقى الرمزية في هذا التكريم من خلال الاهتمام بمنابع العطاء في شخصيته المعطاء ليس فقط من خلال طباعة كتبه بل من خلال تفعيل الافكار التي جاء بها
نحن لانفصل بين الائمة الذين نص الله عز وجل على طاعتهم ومودتهم وبين العلماء الذين ساروا على نفس المنهج وعليه فأن تكريمهم هو تكريم للدين نفسه ونقولها للاسف ان الشهيد الصدر مع كل الابعاد الموجودة فيه والتي لم تتكرر الى يومنا هذا لم يتم انشاء مؤسسة تهتم بنشر افكاره الى الان لا يوجد مثل ذلك ينبغي ان تكون هناك عملية تكريم شاملة للشهيد الصدر وهذا لم يحدث في العراق.
* موقف للسيد الشهيد الصدر لم يشر اليه الاعلام سابقا؟
- لاشك لعل من اهم المواقف التي تشير للموضوع موقف يعتبر من المواقف الاصيلة في تاريخ الحوزات والمرجعيات اذا رجعنا الى تاريخ المرجعيات موجود بدرجة واخرى وهو السعي العملي الذي يبدأ بفناء الذات من اجل ان تبنى مرجعية وقيادة شاملة للمسلمين حقيقة لاتجد هذا الا في مقاطع بسيطة من حياة المسلمين في مرجعياتهم الدينية والسياسية الشهيد الصدر كان دؤوب وحينما اقول دؤوب انا صادق لاني رأيته دؤوب ودائم العمل من اجل ان تتصدى مرجعية صالحة لقيادة الامة الاسلامية وهو يكون اللبنة الاولى لذلك هو يضحي بمرجعيته ووجوده الشخصي العلمي الفقهي في سبيل ان تصعد هذه المرجعية لان منطلقه في جميع اعماله الهدفية لله حتى في صلاته كان يؤذن المؤذن للصلاة فتراه جالسا على سجادة الصلاة مستقبلا القبلة دون ان يبدأ صلاته وحينما سألناه عن سر ذلك قال انا اذا لم يكن لي انقطاع دائم لله في صلاتي لا اصلي واقعد انتظر الى ان اصل لهذه الحالة حتى اصلي.
ما موجود معه في الصلاة معكوس في المرجعية ايضا موجود في المؤلفات لو دققنا في اقتصادنا وفلسفتنا نجد ان كل انسان يتمنى ان تكون هذه كتبه الا ان الشهيد الصدر اعلن ولمرات عديدة عن استعداده لطبع هذه المؤلفات (قبل ان يبادر الى طباعتها بأسمه ) بأسم جماعة العلماء ويجعل هذا السبق العلمي مجير باسم جماعة العلماء وهو ينكر ذاته وكان هدفه من وراء ذلك هو السعي لتكريس وجود قيادة دينية جماعية وانهاء حالة الفرد لأيمانه بروح الجماعة هذا الموقف جسده على نفس المرجعية فتراه كان مستعد للتضحية من اجل ذلك وهنا لو سألنا انفسنا من منا مستعد للتخلي عن طباعة عشرة صفحات من كراس بأسم الاخر لكان الجواب لا يوجد.
* عناوين كتبه هل لها دلالات واضحة؟
- كنت قد سألت السيد الشهيد الصدر عن سبب اطلاقه لتسميات "اقتصادنا" و"فلسفتنا" دون ان تكون هناك اشارة الى انها كتب اسلامية من حيث الدلالة اللفظية فأجابني قائلا انا اكتب العنوان مهمل هكذا "اقتصادنا" "فلسفتنا" هل هو اقتصاد اسلامي علماني ماركسي اشتراكي لايعرف وعند وجود انسان يتنفر من الاسلام سيقرأ هذه العناوين ومن ثم يبدأ بقراءة الصفحة الاولى لتصوره بأن هذا الكتاب ماركسي وحينها سيجد بأنه فكر اسلامي وهنا قد نضمن تعلقه بالكتاب واضاف الشهيد الصدر قائلا انا لا اريد ان اغلق الباب من اوله بأطلاق تسمية تشير الى ان هذا الكتاب اسلامي وهذا الخط من التفكير قد بدأه الشهيد الصدر ولم يكن متعارف عليه في ذلك الوقت.
* هل كان الشهيد الصدر اجتماعيا؟
- كان قمة في ذلك وهذا يستدل عليه من خلال السلوك الشخصي للشهيد الصدر بطبعه واخلاقه كان من المستحيل ان يصدم انسان وكان الناس الذين يحضرون اليه لسؤاله من مختلف الطبقات الثقافية والفكرية وكانت هناك الاسئلة الجدية واخرى غير لائقة الا ان الشهيد تراه يجيب على هذا وذاك دون ان يحتقر شيئا او يترفع عن شي وكان من دماثة خلقه عدم الاهتمام بالمظهر والشكل والوجاهة التي يتمتع بها الشخص الذي يقابله فكان يهتم بالانسان البسيط اهتمامه بالانسان الذي يحمل صفة اجتماعية او غيرها ومن خلال تعامله مع جميع الناس بمستوى واحد ادركنا ان اخلاقه اسلامية وليست مصطنعة وانا لا اعتقد ان شخص رأى الشهيد الصدر ولم يتأثر به.
* هل تمت دعوته من قبل رؤساء دول للعيش او الدراسة او التدريس في هذه الدول ؟
- نعم دعي من قبل رؤساء وامراء وملوك وهو امر لايضفي على شخصية السيد الشهيد شي لانها امور يتأثر بها البسطاء وهي ليست مهمة بالنسبة له لان همومه اخرى كانت بعيدة عن التفكير بالاستجابة لهذا الحاكم او ذاك وكان هدفه الاول والاخير الوصول الى حاكمية الاسلام لان حاكمية الاسلام هي حاكمية الله سبحانه وتعالى وهي هدف اهل البيت عليهم السلام وهي السبب في وجود الانبياء والرسل ونزول الرسالات السماوية وكان مقدار الاهتمام بدعوة الرؤساء له متوقفة على مقدار ما تحققه من مصلحة للاسلام والمسلمين.
* هل كان السيد الشهيد الصدر يؤمن بولاية الفقيه او قيام الدولة الاسلامية؟
- الشهيد الصدر في بداية حياته العلمية لم يكن يقول بولاية الفقيه ولكنه فيما بعد غير موقفه وقد حصل هذا معه قبل قيام الجمهورية الاسلامية في ايران بمعنى انه لم يكن متأثرا بنظام الحكم في ايران وهناك وثيقة بخط يده المباركة نشرتها في كتابي "شهيد الامة " تشير الى ان السيد الشهيد اقر بولاية الفقيه والشهيد الصدر لاينظر الى مفهوم ولاية الفقيه على انها نظام حكم ديكتاتوري بل نراه في كتابه "الاسلام يقود الحياة" يعرض نظرية في غاية الروعة والجمال بقوله ان الامة تسير بخط والفقيه يسير معها بخط موازي وهو يتيح للامة ان تحكم نفسها بنفسها.
* ما موقفه من طلابه وطريقة تعامله معهم ؟
- الخط الاول في سلوك السيد الشهيد الصدر في تعامله النظر الى الجميع طلابه وغيرهم بانهم ابناء له وهذا المنطلق بالنسبة له كان مهم لان المرجع الاعلى ينظر للاخرين كأبناء وعليه ان يتعامل معهم كأب حنون والشهيد الصدر حرص على ان يكون في تعامله مع الاخرين صادقا الى جانب اهتمامه بالعمق المعرفي وليس بالعلم بحد ذاته.
* كيف كان تصرفه مع معارضيه؟
- الشهيد الصدر تعرض الى ضغط نفسي من قبل السلطات البعثية ومن بيئته وكان يفترض ان ينعكس ذلك على كتاباته الا ان ما موجود بين ايدينا لايعكس صورة سلبية عنه فهو كان يتعامل معهم بنكران ذات الا اذا اقتضت الضرورة غير ذلك.
* هل كان يتوقع شيئا من طلابه بعد رحيله ؟
- نعم كان يتوقع ذلك من خلال ادامة الخط الاسلامي الشريف لذا طرح مشروع القيادة النائبة في العمل البديل لمرجعيته وكذلك العمل على تنسيق عمل المعارضة في الخارج لانه كان موقنا بأن اي معارضة تعمل في الداخل سوف يتم ابادتها.