آفاق خالدة خطها الشهيد الصدر (قده)
آفاق خالدة خطها الشهيد الصدر (قده)
مسلم البصري
في الحديث عن الجوانب المتعددة لشخصية الامام الصدر (رض) يتطلب منّا صفحات بل كراريس وكتب، وان ما كُتب عنه ليومنا هذا وما سيكتب عنه في المستقبل انما هو تعبير صادق عن الانبهار بشخصية هذا الرجل العظيم وملكاته المتعددة واخلاصه وذوبانه في الامة، وهو ايضاً وفاء لدمه الطاهر الذي اصبح مناراً للامة وتجديداً لحركتها نحو التحرر والسمو.
ولقد ضاع باستشهاد السيد الصدر جزء كبير من ميراث النبوة واهل البيت (ع)، ذلك لأن الصدر العظيم كان يحمل اروع المعاني الانسانية في كل سلوكياته، فتاريخه يؤكد انه خُلق ليكون قدوة وليجدد الاسلام، فما ترى في سيرة النبي الاكرم واهل بيته الاطهار (ع) الاّ وكان الشهيد الصدر يتمثل به ويجسده في سلوكيته ويتحرى فيه لأقصى درجة..
وكيف لايكون صدرنا الكريم من ورثة الانبياء وهو ممن ترهب للعلم وانقطع للبحث والتدوين واوقف نفسه لتحرير مسائله وشرح غوامضه ونذر نفسه ووقته وفكره وعقله لتخليص التراث الاسلامي مما علق به من شوائب وأندس في تضاعيفه من لصائق تحمل في طياتها عادات مجتمعات معتلة وافكار منحرفة، ولكي يواجه الشهيد الصدر (رض) الخطر الناجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات علمانية متنوعة وأعراف تشريعية واوضاع اجتماعية بعيدة عن القيم الاسلامية والتراث الحضاري الاسلامي العريق، كان لابد من عمل على الصعيد العلمي يؤكد في المسلمين اصالتهم الفكرية وشخصيتهم التشريعية المتميزة المستمدة من الاسلام وفكره النير، وكان لابدّ من حركة فكرية اجتهادية تفتح آفاقهم الذهنية ضمن ذلك الاطار لكي يستطيعوا ان يحملوا مشعل الاسلام بروح المجتهد البصير الذكي الذي يستطيع ان يستنبط منها ما
[308]
يفيده في كل ما يستجد له من حالات. كان اذن لابد من تأصيل للشخصية الاسلامية ومن زرع بذور القوة والمقاومة للافكار المنحرفة والثقافات الدخيلة والاطروحات العلمانية، فكان اقتصادنا وفلسفتنا والبنك اللاربوي وسواها من النتاجات العلمية والفكرية رصيداً لحصانة الامة وتنويرها.
ولا ينكر التاريخ ان آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) قد بذل جهداً استثنائياً في الفرز بين الايمان القاعد الذي قد يفر الى صومعة والايمان الصادق الذي يدفع صاحبه للعطاء والتضحية الايمان الذي يقذف بالمسلمين الى الجهاد لمطاردة الظلم والاضطهاد في كل فج عميق..
وكان هذا الحال يؤرق قائدنا الصدر المقدام كثيراً، فبذل جهداً مضنياً في تدارس حال الامة وتشخيص لأمراضها وعللها، وكان بعلمه ووعيه وفضله يضع الامور في نصابها ويضع يده على مواطن الداء قبل ان يشخص الدواء..
ولم ينقطع اشعاع الامام الصدر ولا نتاجه العلمي في علوم القران والاجتماع والسياسة والاقتصاد وسواها من العلوم، وما برحت نظراته العلمية الخارقة في جميع ميادين العلم والمعرفة وخواطره في المسائل المختلفة دليلاً على عقله وفهمه وشاهداً على فضله وريادته، حيث كان شغله الشاغل مدارسة العقيدة وخدمة علومها وتيسيرها للامة وهو (رض) رغم علمه الغزير وفهمه الدقيق كان سياسياً حكيماً يأخذ الامور بحكمة وروية في هدوء المفكر وصبر الحليم ويبحث الازمات بحنكة وخبرة ودراية، السبب الذي جعل الامة تلتف حوله وتقدسه في حياته ومماته وتنتمي الى مدرسته الخالدة.
لقد ترك الشهيد الصدر (رض) تراثاً ربانياً فريداً يظل على مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة اخلاق وتهذيب وستظل الانسانية بحاجة الى هذا التراث المجيد وتزداد حاجتها كلما ازداد الشيطان وأعوانه اغراء والدنيا فتنة.